الاحتياطي
أخيرا كُشِف النقاب عن أبرز حدث ثقافي يمكن أن يهدد أركان العرش البريطاني وأن يتسبب في قطع قناة الاتصال بين الأمير هاري دوق ساسكس وبين قصر باكنغهام المقر الرسمي لملوك بريطانيا من ناحية وقصر كلارنس المقر الرسمي لإقامة أبيه الملك تشارلز الثالث من ناحية أخرى.
في العاشر من شهر يناير 2023 صدرت عن دار نشر فايار بفرنسا في حوالي 544 صفحة النسخة الفرنسية للكتاب المثير للجدل "الاحتياطي" الذي تم ترجمته إلى 16 لغة حية، من تأليف الأمير البريطاني هاري ثاني أبناء ملك بريطانيا تشارلز الثالث من زوجته الأولى الأميرة ديانا. في هذا الكتاب، يسترجع المؤلف فترات مؤلمة من سيرته الذاتية ويستعرض حياته الخاصة منذ طفولته وحتى زواجه من الممثلة الأمريكية راشيل ميجان ماركل.
ان هذا الكتاب، الذي يحتوي على العديد من التلميحات والتصريحات الفاضحة التي لا تصب حتما في صالح الأسرة الحاكمة البريطانية، يتناول بالتفصيل علاقة الأمير المضطربة بعائلته الملكية بعد وفاة أمه الأميرة ديانا ومشاجراته العنيفة مع شقيقه الأكبر ويليام وخلافاته مع زوجه أبيه الملكة كاميلا ومدى ارتباطه بجدته الملكة إليزابيث الثانية بالإضافة الى انضمامه الى البعثة العسكرية البريطانية في أفغانستان وزواجه من ميجان ماركل.
يذكر هاري في الفصول الأولى من كتابه "الاحتياطي" أنه لم يكن يحب القراءة، ولأنه كان فاشلا في دراسته، فلم يجد له مكانا في كلية إيتون المرموقة التي تعتبر إحدى أرقى المدارس البريطانية التي تَخرّج فيها العديد من الملوك والأمراء ورؤساء الحكومات بريطانيا. السؤال الي يطرح نفسه: كيف للأمير هاري أن يخط بيمينه هذا الكتاب من دون مساعدة كاتب محترف ومن الذي وقف خلف عملية السرد وأعاد صياغة ما يسمعه من الأمير بطريقته الخاصة وبأسلوبه المتميز؟
العنوان الاستفزازي "الاحتياطي" الذي اختاره المؤلف يجعل من هذا الكتاب الذي يندرج ضمن ما يسمى بالمذكرات الشخصية واحدا من أكثر الكتب إثارة للدهشة في هذا العصر. في بداية الأمر يُزاح الستار عن صورة لأميرين صغيرين يسيران خلف نعش أمهما وهو يشق طريقه إلى مثواها الأخير، في تلك الأثناء كان الناس في جميع أنحاء العالَم يتساءلون فيما بينهم عما يفكر فيه الأمراء الصغار. يؤكد الأمير هاري أنه بكى مرة واحدة فقط على والدته الأميرة ديانا في عام 1997 ولم يستطيع أن يذرف الدموع عليها إلا بعد مرور سنوات عديدة في حضور احدى صديقاته. ولأن الأمير هاري يُحمّل الصحافة مسؤولية وفاة والدته التي فقدها وهو ابن اثني عشر عاما، فانه يرفض أن تكون حياته تحت أضواء الصحافة الكاشفة ولهذا سيتنازل هو وزوجته عن مهامهما الملكية.
في الحادية والعشرين من عمره، يلتحق هاري بالجيش البريطاني ويمنحه انضباطه في محيط العمل العسكري مرتبة متميزة تجعله ينضم الى قوات بلادة في العمليات العسكرية الخارجية، الا أن تصريحاته العلنية عن مهامه العسكرية التي كُلِّف بها في أفغانستان جعلت منه مصدر ازعاج للبريطانيين لا ينتهي. سيشعر الأمير بالضياع أكثر من أي وقت مضى وستسيطر عليه مشاعر الحزن والوحدة.
ستتغير حياته بعد أن يلتقي ميجان، سيهتم العالَم بهما وبحفل زفافهما الخيالي، سيتعرض هاري وميجان لمضايقات صحفيه وسيحاول بكل ما أوتي من قوة أن يمنع التاريخ من تكرار نفسه، الآن يقرر الأمير الهروب من وطنه ومغادرة العائلة المالكة والابتعاد على الأضواء بكامل ارادته.
ختاما، يستطيع القارئ في نهاية الكتاب أن يلتقي مع هاري الزوج والأب الذي يعيش مع أسرته في سانتا باربرا بولاية كاليفورنيا ويقوم بحملات توعوية من أجل الحفاظ على البيئة. ما يلفت الانتباه أن الأمير هاري صرِّح بأنه سيدعم الجمعيات الخيرية البريطانية من خلال التبرع بجزء من عائدات مبيعات كتابه "الاحتياطي" لصالح الجمعيات الخيرية