
محاولات في فهم وتحليل النصوص الأدبية المُترجَّمة (الجزء الأول)
"لو كانت هناك فكرةٌ واحدةٌ أتمنى أن يخرج بها القارئ من هذا الكتاب؛ فهي أن الترجمة الأدبية ضرب من ضروب الأدب المقارن، وأن ممارسة الترجمة الأدبية تتطلب دراسةً أدبيَّةً ونقديَّةً إلى جانب إجادة اللغتين، المترجَم منها والمترجَم إليها، وأنه لا يوجد ما يُسمى بالنَّص المثالي في الترجمة، (أو ما كان يُسمى بالترجمة النموذجية) لأن كل عمل مترجَم هو في الحقيقة محصلةٌ لتلاقي إبداع المؤلِّف، ومفهوم المترجِم له على ضوء خبرته باللغة التي يُترجِم إليها."
بهذه العبارة لأستاذنا العلامة الدكتور عناني، نستفتح كتابنا هذا عن الترجمة الأدبية بعملين أدبيين:
أولهما، "البؤساء" للكاتب الفرنسي فيكتور هوجو (دراسة لغوية ونقدية باللغة العربية).
ثانيهما، "القاهرة الجديدة" للكاتب المصري نجيب محفوظ (دراسة لغوية نقدية باللغة الفرنسية).
يتناول هذان العملان الأدبيان مشاعر البؤس المشتركة بين المجتمعات البشرية في الديار الفرنسية والمصرية في حقب زمنية معينة، وما شاع فيها من فساد وتَسلُّط واتِّساع الهُوَّة بين الأثرياء والفقراء الساخطين على أوضاعهم الاجتماعية البائسة.
الحديث عن الترجمة يثير لدى المتابع عدة تساؤلات هامة خاصة تلك التي تتعلق بتحويل ما هو نظري إلى عملي. ولهذا ما أن توقف الجدل حول الأطروحات النظرية للترجمة بين طرح وطرح مضاد، حتى جاء الطرح في صورة أسئلة مباشرة:
أولا، كيف نترجم الأعمال الأدبية؟
ثانيا، من أي لغة والي أي لغة نترجم؟
ثالثا وأخيرا، ماذا نُترجم؟ متى وأين ولمن نُترجم؟ وكيف يتسنى للترجمة أن تكون حاضرة بقوة في المجال الأدبي؟
نتيجة لهذه التساؤلات، جاءت دراستنا منصبة على إمكانية أو عدم إمكانية اعتبار الترجمة ممارسة من ضمن الممارسات الثقافية والفكرية التي تهدف إلى السيطرة والهيمنة على المتلقي. وبالتالي هل تأثر المترجم بالكاتب الأصلي واستسلم لكل ما كتب؟ أم أنه تحرَّر من هذا القيد؟ وكيف استطاع أن يؤثر في قارئه؟ هل تأثرت الترجمة بنظرة المترجم إلي موروثه الثقافي شعرا ونثرا، أم أنها تأثرت بعوامل أخري من بيها الأمانة في النقل؟ وهل يمكن للمترجم ان يتخطى هذه الحواجز؟ إن كان في الإمكان ذلك، فهل يعد هذا الأمر خيانة؟ هل العبارة المشهورة "traduttore, traditore" (المترجم خائن) تنطبق علي هذا اللون من الترجمات.
ونظرا لأن الترجمة هي محل اهتمام المؤلِّف لما لها من أهمية قصوى في التواصل الثقافي والحضاري، فان وضع دراسة نقدية ولغوية للنصوص الأدبية المترجَمة من والى اللغة العربية بات أمرا مُلحا في ظل تنامي الاقبال على ترجمة الآداب العالمية. لكننا في بداية الأمر، نود أن نلفت نظر القارئ الى أن دراستنا للترجمة الأدبية، محل اهتمامنا في هذا الكتاب، بما أنها معنية في المقام الأول بالدراسة النقدية واللغوية، ستنصب على عدة مستويات في الترجمة، نذكر من بينها امكانية ترجمة الأبنية اللغوية ودلالة الألفاظ وتراكيبها بالإضافة الى المعنى والسياق.
.