«وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا»

الكثافة الدلالية لفضاء الصحراء


الكثافة الدلالية لفضاء الصحراء


يأتي هذا المقال الموجز عن الكثافة الدلالية لفضاء الصحراء ليحاول تفكيك التداخل السردي بين الواقعي والمتخيَّل، والكشف عن طبيعة المكان المفتوح في تشكيل هذا التداخل. فحجر الزاوية في الأعمال الأدبية التي تتخذ من الصحراء موضوعًا لها لا يقتصر على بنيتها السردية فحسب، بل يتجاوز ذلك ليجسد صورة لقسوة الصحارى الممتدة عبر طيف واسع من الدلالات المنتمية إلى حقل العلامات. ومن هذا المنطلق، يُعد فضاء الصحراء علامة ديناميكية قابلة للتأويل، تتشكل وفق الجغرافيا الدلالية واللغوية التي يفرضها هذا المكان المفتوح.

تحتل ثيمة الصحراء، بما تنطوي عليه من مكوّنات جمالية، مكانة بارزة في بعض الأعمال الأدبية، إذ تفرض حمولاتها الدلالية المليئة بالأسرار نفسها على القارئ، فتدعوه إلى مشاركة الكتّاب في استكشاف ظلالٍ من المعاني التي تتجذّر بين حدود المتخيَّل والواقعي. وتتكشّف طبيعة الصحراء، وفقًا للأحداث التي تجري داخل رقعة جغرافية مفتوحة، لتتخذ من فضائها مسرحًا لمسارات السرد، ولتشكّل إطارًا لعلاقة متشابكة مع الشخصيات الفاعلة في النصوص.

ولأن فضاء الصحراء يُعَدّ أرضًا محفِّزة لفكر الكتّاب وملهمة لخيالهم، فإن هذا الفضاء يطلق العنان لإبداعهم، فيمزج خيالهم بالواقع الذي يعيشه أبطال أعمالهم الأدبية فوق رمالها القاحلة. وما إن تتطاير هذه الرمال بفعل رياحٍ عاتية لا يعترضها عائق، حتى يغدو حضورها لافتًا للأنظار.

يرسم الكتّاب صورة بائسة لمجموعة من الصحاري، مختزلين حضورها في أمواجٍ عاتية ترافقها رمال متحركة، وكأن أمواج البحار والمحيطات التي تتلاطم في صراعها الأبدي قد امتدت لتضرب رمال الصحراء، محطمة معها الشعور بالأمن والأمان.

ولأن فتنة البحر في صوته، وفتنة الصحراء في صمتها، كما يقول الكاتب الكبير إبراهيم الكوني في كتابه أهل السُرَى، فإن الدلالة المستمدة من تلاطم أمواج البحار والمحيطات ومن صمت الصحراء المطبق تبعث في النفس مشاعر الخوف والهلع. وما إن تتعانق هذه الثنائية وتتداخل على المستوى السردي الذي يجمع بين المتخيَّل والواقعي، حتى يلجأ الكتّاب إلى توظيف جماليات النص توظيفًا دلاليًا يجعلها تتموّج كما تتموّج طبقات الرمال المتحركة في صحراء موحشة يخيّم عليها صمت مهيب.

إن الصحراء في هذه الأعمال الأدبية، بما أنها تشكّل المنطلق لمسارات الأحداث الروائية، تأتي محمّلة بطيف واسع من الدلالات، ولعل أبرزها دلالة التداخل السردي بين الواقعي والمتخيَّل. فهذا الفضاء المفتوح يغدو مكانًا مشبّعًا بالألم والمعاناة، وما إن تتكاثف هذه المشاعر والانفعالات حتى تتبلور البنية الأساسية للنصوص، المبنية وفق جغرافيا مكانية تؤدي دورًا محوريًا في إنتاج دلالات مخصوصة، ترتبط بما تحمله هذه النصوص من رصيد تاريخي.

وبما أن العلامات الدلالية في هذه النصوص الأدبية ترتبط بالفضاء المكاني للصحراء ضمن حقول لغوية محددة، فإن التداخل السردي بين الواقعي والمتخيَّل يبرز على مستوى الوصف من خلال مفرداتٍ تتجلى كعلامات سيميائية، تُستحضر عبرها مشاعر الخوف والهلع التي تواجهها شخصيات هذه الأعمال الأدبية.

إن دلالات فضاء الصحراء وأبعادها اللفظية توحي بأن للكلمات في سياق هذه الأعمال الأدبية وظيفةً تتجاوز حدود السرد، إذ تبعث في النصوص أبعادًا دلالية خاصة، وترمز في الوقت ذاته إلى مشاعر الخوف والهلع التي تعصف بنفوس الشخصيات. فهي انعكاس لما يعتمل في أعماقهم من عوامل تهزّ البنية الروحية والوجودية لأي فضاء صحراوي هائل، فيغدو النص مرآةً لصحراء مهدَّدة وصمتٍ يوشك أن ينفجر.

ختاما، نستطيع القول إن دلالات كثافة الفضاء الصحراوي، حين تقف عند أحداث بعينها، تجعل من الواقع المكاني بامتداداته الفنية إحدى أبرز سمات الصحراء المفتوحة بمكوّناتها المتنوعة. فهي تحفر في عمق البنية السردية مزيجًا من الواقعي والمتخيَّل، وتكشف عن المظاهر الجافة لهذا الفضاء الممتد إلى ما لانهاية، بوصفه مجالًا فاعلًا من مجالات الطبيعة الصحراوية التي تحتضن الأحداث وتستولي على الشخصيات. وهكذا تغدو الصحراء قوةً قاسية تدفعهم إلى الزحف نحو المجهول، تمامًا كما تزحف الكثبان الرملية التي تبتلع كل من يغامر بالسير فوقها.


Créez votre site web gratuitement !