الكواليس الخلفية لشركات الدواء العملاقة

الكواليس الخلفية لشركات الدواء العملاقة يطرحها كتاب "امبراطورية الألم " تأليف باتريك رادن كيف
في كتابه الجديد " امبراطورية الألم " الذي صدر في طبعته الفرنسية بترجمة كلير ماري كليفي في حوالي 679 صفحة عن دار نشر بلفون الفرنسية في سبتمبر 2022، يستعرض الكاتب الأمريكي باتريك رادن كِيف عددا من المحاور التي تسمح بفهم ما يدور في رؤوس عمالقة الدواء وكل ما يتعلق بصناعة العقاقير وأرباح شركات الأدوية العالمية.
المؤلف باتريك رادن كيف صحفي ينشر تحقيقاته ومقالاته، التي نال عنها العديد من الجوائز، في مجلة نيويورك تايمز وسلات ونيويورك ريفيو أوف بوكس.
كتاب" امبراطورية الألم " عبارة عن تحقيق صحفي عن عائلة ساكلر الثرية جدا التي بنت إمبراطورية حقيقية من خلال الألم. يستعرض الكتاب واقع التحالف المميت بين الرأسمالية الأكثر وحشية وقوى الضغط الجامحة والنظام الصحي المنهار.
يذكر مؤلف كتاب" امبراطورية الألم" أن عائلة ساكلر تأتي بين قائمة العائلات الأكثر ثراء في الولايات المتحدة التي يوضع اسمها على العديد من المتاحف والمدارس والمؤسسات. على الرغم من وفاة الأخوين ريمون ومورتيمر ساكلر المؤسسين الشركة، إلا أن اسم عائلة ساكلر يزيّن العديد من المتاحف في الولايات المتحدة ولندن وحتى في فرنسا حيث يوجد جناح لعائلة ساكلر للآثار الشرقية في متحف اللوفر. ولا يزال بعض أفراد العائلة أعضاء في مجلس إدارة شركة بيرديو فارما Purdue Pharma.
يتحدث مؤلف كتاب" امبراطورية الألم" عن اسهامات عائلة ساكلر في مجال الأعمال الخيرية واستخدام هذه الوسائل من أجل الترويج لها، وقد أدّت هذه الدعاية الهائلة على إخفاء وجودها على رأس إمبراطورية دوائية مترامية الأطراف ومسؤولة عن واحدة من أكبر الفضائح الصحية في التاريخ المعاصر: أزمة المواد الأفيونية opioïdes. لقد تم توجيه أصابع الاتهام الى هذه العائلة لأنها تسببت في موت أكثر من 30 ألف حالة سنويًا في الولايات المتحدة الأمريكية من خلال علاقتها الوطيدة بشركة بيرديو فارما Purdue Pharma.
ولفهم هذه الكارثة، علينا العودة إلى بداية القرن العشرين عندما أنشأ ثلاثة أشقاء في حي بروكلين بنيويورك وكالة إعلانات تعمل في مجال التسويق المرتبط بالصحة. وكان أول عمل شرعوا في تنفيذه هو جعل كل جيل ما بعد الحرب مدمنًا على الفاليوم Valium الذي يستخدم لعلاج الأرق وألم العضلات. في تسعينيات القرن الماضي، ذهبت عائلة ساكلر إلى أبعد من ذلك باستخدام نهج جديد لإدارة الألم حيث قاموا بتطوير عقار أوكسي كونتين OxyContin مسكن آلام ومخدر من عائلة الأفيونات ويعتبر "علاجا سحريا" تم إنتاجه وتوفير الدعاية الكبيرة له.
يؤكد كتاب" امبراطورية الألم" أن عقار أوكسي كونتين OxyContin حقق ما مجموعه 35 مليار دولار لصالح شركة شركة بيرديو فارما Purdue Pharma منذ طرحه في الأسواق عام 1995 حيث ذهب الجزء الأكبر من هذه الأموال إلى عائلة ساكلر.
كما يشدِّد مؤلف كتاب" امبراطورية الألم" على أن شركة بيرديو فارما Purdue Pharma طلبت من مندوبي مبيعاتها التوقف عن الترويج لهذه المسكنات التي غالبًا ما يساء استخدامها كمخدرات، لقد أدى الاستخدام المفرط لهذا الدواء إلى إدمان الملايين من الأمريكيين له وبالتالي استمرت الجرعات الزائدة المميتة في السنوات الأخيرة. على الرغم من التحذيرات المتكررة من الأطباء فقد تمكنت عائلة ساكلر من انكار خطورة منتجهم الدوائي، ولهذا أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، خلال ولايته الأولى، أزمة الأفيون كحالة طوارئ صحية عامة في نهاية أكتوبر 2017 حيث أصبح حوالي 2.4 مليون أمريكي مدمنون ويموت 90 منهم كل يوم.
ووفقا لمؤلف كتاب" امبراطورية الألم" فان شركة بيرديو فارما Purdue Pharma تعدّ واحدة من الشركات التي رفعت مدينة نيويورك دعاوي ضدها في المحكمة وطالبتها بدفع تعويضات بلغت نصف مليار دولار للمساعدة في تمويل مكافحة هذه الأزمة. وهذه التعويضات ستكون أكبر مبلغ يتم دفعه لضلوعها في تأجيج أزمة المواد الأفيونية التي أدت الى وفاة أكثر من 700 ألف شخص بجرعة زائدة من المخدرات في الولايات المتحدة منذ عام 1999 وقد تضاعف معدل الوفيات بسبب هذه الجرعات الزائدة في نيويورك بين عامي 2010 و 2016.
السؤال الذي يطرح نفسه: كيف تمكنت عائلة ساكلر من استغلال الثغرات القانونية طيلة هذه السنوات؟
ختاما يكتشف مؤلف كتاب" امبراطورية الألم" الحقيقة المؤلمة التي تنتسب الى هذه العائلة: الإدمان والاتجار في المخدرات وموجة غير مسبوقة من الجرعات الدوائية الزائدة المميتة. فهذه الجرائم الثلاثة تعدّ من أكثر الأنشطة غير القانونية ربحًا في العالم، إذ تصل أرباحها إلى ملايين الدولارات.